حينما يتناول عامة الناس تراث أسلافنا المسلمين في فهم الوحيين، الكتاب والسنة، يقعون فريسة مستويين خطيرين ونمطين جامدين: نمط الجمود والتقديس ونمط الجحود والتبخيس
وكلا النمطين في اعتقادنا مجانب للصواب مخالفا لمبادئ البحث والتمحيص، فليس كل التراث يصلح ويُمنح، وليس كل قديم يرد ويُمنع
إن العقلاء يميزون في قضية التراث بين نوعين، ما كان ثابتا بالإجماع والدليل القطعي، وما كان اجتهادا بشريا تدخلت فيه منازع النظر الإنساني والاجتهاد البشري، فالأول حجة لنا لا جدال في وجوب التزامه مع حسن تنزيله، والثاني حجة على أصحابه يمكن مراجعته وتحيينه مع الأخذ بعين الاعتبار ظروف وروده وسياق زمانه ومكانه.
فنحن ليس مع التبني غير الواعي للتراث بلا فكر، ولا مع التجني على التراث بلا فكر ولا إيمان، ورحم الله الفقيه المالكي المبدع الإمام ابن عبد البر إذ يقول: ( ليس أضر على العلم من قولهم (ما ترك الأول للآخر) بل الصواب عندنا “كم ترك الأول للآخر”
وقال ابن مالك في أول كتاب التسهيل: (وإذا كانت العلوم منحا إلهية ومواهب اختصاصية فغير مستبعد أن يدخر لبعض المتأخرين ما عسر عن بعض المتقدمين، نعوذ بالله من حسد يسد باب الإنصاف ويصد عن جميل الأوصاف).