العيش مع الذات – الحلقة 7
○ سلسلة العيش مع الذات: [كيف نفهم ذواتنا ونحترم أنفسنا]
الحلقة 7 | زلة اللسان واللاشعور: أي علاقة ؟ | عبد الفتاح الفريسي
•◇• تؤكد مدرسة التحليل النفسي أن لا شيء يحدث بالصدفة في مجال الحياة والسلوك النفسي، فكل سلوك له أسبابه الحقيقية، ويسير لتحقيق غاية محددة.
ومن هذا المنطلق كان لمدرسة التحليل النفسي شأن كبير في تفسير زلات اللسان وهفوات الكلام، وهو أمر سبقها إليه تراثنا العربي الإسلامي، ففي سورة محمد: (وَلَوْ نَشَآءُ لَأَرَيْنَٰكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَٰهُمْ ۚ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِى لَحْنِ لْقَوْلِ ۚ واَللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَٰلَكُمْ)
وقال علي بن أبي طالب: “ ما أضمر المرء شيئا إلا وقد ظهر في فلتات لسانه وزلات كلامه ”
وقال الشاعر الجزار السرقسطي:
إِياكَ مِن زَلل اللِسان فَإِنَّما || عَقل الفَتى في لَفظِهِ المَسموع
وَالمَرء يَختبر الإِناء بِنَقره || لِيَرى الصَحيح بِهِ مِن المَصدوع
واحفظنا ونحن في الصغر المثل المشهور: ”ما أخفى الإنسان شيئا إلا وظهر في فلتات كلامه وزلات لسانه”.
وقد تتبعت المدارس الحديثة خصوصا تلك التي تعنى بعلم النفس والسلوك، العلاقة بين زلات اللسان واللاشعور، وذهبت مدرسة التحليل النفسي بريادة فرويد بأنه يمكن لأفعالنا اليوميـة العادية أن تجسد تعبيرا عن اتجاه لاشعوري دفين ومستتر، ومن هـذا المنطلـق سعت إلى تحليل سلسلة من الظواهر السلوكية التي يفترض بأنها تصدر من دائرة العمق اللاواعي، والتي تتقمص أحداثا يومية أو ردود فعل أو كلمات بسيطة لا يلقي لها المر بالا ولا يعيرها الناس أي اهتمام.
فهفـوات اللسان، حسب المدرسة الإسلامية ومدرسة التحليل النفسي، لا تعـبر عـن الطبقة العميقة في منطقة اللاشعور فقط، بل هي تعبير صادق عن الصراع النفسي الداخلي.
أقول هذا الكلام وانا أستحضر أية كريمة في سورة يوسف، حينما قال إخوته عنه وهم في حضرته وهم لا يعلمون:"إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل، وأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم"، كنت دائما أتساءل عن سر هذه الكلمة العظيمة والسبة الجسيمة "فقد سرق أخ له من قبل" في حق "أخ غائب" من المفروض أن ترعى ذمته ولا تنتهك سمعته، ولكنها زلة اللسان تكشف المسستر، ويظهر المخفي، ولذلك اعقبها قوله تعالى على لسان يوسف: "قال أنتم شر مكانا".
ومن الأمثلة الواقعية اليوم في بيان العلاقة بين زلات اللسان واللاشعور قصة بين صديقين، سأل أحدهما الآخر بعدما أصيب بمرض عضال يتطلب إجراء عملية جراحية مستعجلة:
متى عرفت بأنك مصاب بهذا الورم الخبيث؟
أجاب: منذ عام2001 قبل أن يستدرك: أقصد 2010
رد الصديق: ولكنك قلت 2001 ! هل عندك فكرة عما حدث في حياتك بالضبط سنة 2001.
أجاب الرجل بتأثر كبير: كنت عازما على أن لا اتحدث عن ذلك لأحد، فقد فقدت زوجتي حبيبتي التي لا أستطيع أن أصف لك مقدار حبي لها.
زلة اللسان أدخلت داخل جملة، كلمة ظهرت مكان اخرى، يمكنها أن توحي بإحساس سيء وغالبا بصراع داخل النفس، وهذا ما تطلق عليه مدرسة التحليل النفسي بعودة المقموع للظهور.
لا أنسى وانا اقرا سورة محمد حينما يخبر القرآن عن التركيبة النفسية للمنافقين (ولتعرفنهم في لحن القول)
○ الهفوات اللسانية:
أثناء هفوات اللسان وزلته تكون الغاية مرغوبة ولكنها مدفونة في عالم اللاشعور، يستبدل اللسان المدفونة كلمة أخرى غير مناسبة بالكلمة المطلوبة.
ويَعتبر الكثير من المتخصصين من العلماء والأطبّاء وعلماء النفس أنّ تفسيرات فرويد حول زلّات اللسان صحيحة ولا شكّ فيها، وأن لا شيء يَحدث بغير معنى، خصوصاً على الصعيد سلوك الإنسان، وأن لكلّ سلوك أسبابه وسياقاته، وفي المقابل، لم يتبنَّ آخَرون كلام المدرسة الفرويدية حول رغبات اللاشعور وزلّات اللسان. كما يرى علماء في مجال اللغة، أنّ الجميع يمكن أن يستعمل كلمةً بدل كلمة أخرى، ورفضوا بذلك الربط بين زلات اللسان واللاشعور، وأن ألفرد فرويد ومن معه تكلفوا كثيرا وأعطوا الأمر أكثر مما يستحق، لأنّ زلّة اللسان، في رأيهم، غلطة كأيّ غلطة يَرتكبها الإنسان خلال الكتابة مثلاً أو خلال حديثه مع أصدقائه. ويَعتبر هؤلاء زلّات اللسان أخطاء تُذكّر بأخطاء الطفل الصغير الذي يستعمل كلمةً بدل أخرى للتعبير عن حاجياته.
ما رأيكم أنتم في زلات اللسان هل هي مقصودة أو لا تدل على شيء ؟
رأيكم يهمنا !
الحلقة 7 | زلة اللسان واللاشعور: أي علاقة ؟ | عبد الفتاح الفريسي
•◇• تؤكد مدرسة التحليل النفسي أن لا شيء يحدث بالصدفة في مجال الحياة والسلوك النفسي، فكل سلوك له أسبابه الحقيقية، ويسير لتحقيق غاية محددة.
ومن هذا المنطلق كان لمدرسة التحليل النفسي شأن كبير في تفسير زلات اللسان وهفوات الكلام، وهو أمر سبقها إليه تراثنا العربي الإسلامي، ففي سورة محمد: (وَلَوْ نَشَآءُ لَأَرَيْنَٰكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَٰهُمْ ۚ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِى لَحْنِ لْقَوْلِ ۚ واَللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَٰلَكُمْ)
وقال علي بن أبي طالب: “ ما أضمر المرء شيئا إلا وقد ظهر في فلتات لسانه وزلات كلامه ”
وقال الشاعر الجزار السرقسطي:
إِياكَ مِن زَلل اللِسان فَإِنَّما || عَقل الفَتى في لَفظِهِ المَسموع
وَالمَرء يَختبر الإِناء بِنَقره || لِيَرى الصَحيح بِهِ مِن المَصدوع
واحفظنا ونحن في الصغر المثل المشهور: ”ما أخفى الإنسان شيئا إلا وظهر في فلتات كلامه وزلات لسانه”.
وقد تتبعت المدارس الحديثة خصوصا تلك التي تعنى بعلم النفس والسلوك، العلاقة بين زلات اللسان واللاشعور، وذهبت مدرسة التحليل النفسي بريادة فرويد بأنه يمكن لأفعالنا اليوميـة العادية أن تجسد تعبيرا عن اتجاه لاشعوري دفين ومستتر، ومن هـذا المنطلـق سعت إلى تحليل سلسلة من الظواهر السلوكية التي يفترض بأنها تصدر من دائرة العمق اللاواعي، والتي تتقمص أحداثا يومية أو ردود فعل أو كلمات بسيطة لا يلقي لها المر بالا ولا يعيرها الناس أي اهتمام.
فهفـوات اللسان، حسب المدرسة الإسلامية ومدرسة التحليل النفسي، لا تعـبر عـن الطبقة العميقة في منطقة اللاشعور فقط، بل هي تعبير صادق عن الصراع النفسي الداخلي.
أقول هذا الكلام وانا أستحضر أية كريمة في سورة يوسف، حينما قال إخوته عنه وهم في حضرته وهم لا يعلمون:"إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل، وأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم"، كنت دائما أتساءل عن سر هذه الكلمة العظيمة والسبة الجسيمة "فقد سرق أخ له من قبل" في حق "أخ غائب" من المفروض أن ترعى ذمته ولا تنتهك سمعته، ولكنها زلة اللسان تكشف المسستر، ويظهر المخفي، ولذلك اعقبها قوله تعالى على لسان يوسف: "قال أنتم شر مكانا".
ومن الأمثلة الواقعية اليوم في بيان العلاقة بين زلات اللسان واللاشعور قصة بين صديقين، سأل أحدهما الآخر بعدما أصيب بمرض عضال يتطلب إجراء عملية جراحية مستعجلة:
متى عرفت بأنك مصاب بهذا الورم الخبيث؟
أجاب: منذ عام2001 قبل أن يستدرك: أقصد 2010
رد الصديق: ولكنك قلت 2001 ! هل عندك فكرة عما حدث في حياتك بالضبط سنة 2001.
أجاب الرجل بتأثر كبير: كنت عازما على أن لا اتحدث عن ذلك لأحد، فقد فقدت زوجتي حبيبتي التي لا أستطيع أن أصف لك مقدار حبي لها.
زلة اللسان أدخلت داخل جملة، كلمة ظهرت مكان اخرى، يمكنها أن توحي بإحساس سيء وغالبا بصراع داخل النفس، وهذا ما تطلق عليه مدرسة التحليل النفسي بعودة المقموع للظهور.
لا أنسى وانا اقرا سورة محمد حينما يخبر القرآن عن التركيبة النفسية للمنافقين (ولتعرفنهم في لحن القول)
○ الهفوات اللسانية:
أثناء هفوات اللسان وزلته تكون الغاية مرغوبة ولكنها مدفونة في عالم اللاشعور، يستبدل اللسان المدفونة كلمة أخرى غير مناسبة بالكلمة المطلوبة.
ويَعتبر الكثير من المتخصصين من العلماء والأطبّاء وعلماء النفس أنّ تفسيرات فرويد حول زلّات اللسان صحيحة ولا شكّ فيها، وأن لا شيء يَحدث بغير معنى، خصوصاً على الصعيد سلوك الإنسان، وأن لكلّ سلوك أسبابه وسياقاته، وفي المقابل، لم يتبنَّ آخَرون كلام المدرسة الفرويدية حول رغبات اللاشعور وزلّات اللسان. كما يرى علماء في مجال اللغة، أنّ الجميع يمكن أن يستعمل كلمةً بدل كلمة أخرى، ورفضوا بذلك الربط بين زلات اللسان واللاشعور، وأن ألفرد فرويد ومن معه تكلفوا كثيرا وأعطوا الأمر أكثر مما يستحق، لأنّ زلّة اللسان، في رأيهم، غلطة كأيّ غلطة يَرتكبها الإنسان خلال الكتابة مثلاً أو خلال حديثه مع أصدقائه. ويَعتبر هؤلاء زلّات اللسان أخطاء تُذكّر بأخطاء الطفل الصغير الذي يستعمل كلمةً بدل أخرى للتعبير عن حاجياته.
ما رأيكم أنتم في زلات اللسان هل هي مقصودة أو لا تدل على شيء ؟
رأيكم يهمنا !